كانت صدمة كبرى لعبد الحليم

كانت صدمة كبرى لعبد الحليم
في الذكرى الـ 29 لرحيل عبد الحليم حافظ، تعود الصحف والقنوات التلفزيونية الى تناول جوانب من شخصيته. "صدى البلد" اختارت تناول علاقته بالمحاكم وأسرار غيرته.
تعدّدت الدعاوى القضائية بحقّ عبد الحليم حافظ، وأوّلها أنه عندما اشترى سيّارته الأولى عام 1957، اصطدم بشخصين، فنزل ليجد المصابين ملطّخين بالدماء، فنقلهما الى المستشفى وجلس بجوارهما ودفع تكاليف علاجهما. وعندما اعتقد أن الأمر انتهى، فوجئ بعد 3 أسابيع بدعوى قضائية رفعاها ضده وطُلب منه المثول أمام محكمة مصر القديمة لدفع تعويض قدره 15 ألف جنيه لكلّ منهما. وهذا المبلغ كان ضخما جدا في ذلك الوقت حيث كان أجر عبد الحليم في الحفلات لا يتعدّى الألف جنيه. وبعد مداولات عدّة رُفضت الدعوى.
"صافيني مرّة"
كانت صدمة كبرى لعبد الحليم عندما قرع المحضر بابه ليسلمه إنذارا من المحكمة للمثول أمامها وسماع أقواله في القضية التي رفعها ضدّه صديق عمره سمير محجوب مؤلّف أغنية "صافيني مرة" والذي طالب بضرورة الحصول على حقّه المادي من هذه الأغنية اذ لم يتقاض إلا 3 جنيهات فقط في حين حقّق عبد الحليم مبالغ طائلة من هذه الأغنية.
صلاح نظمي
كان هناك برنامج شهير تقدّمه سناء منصور في إذاعة الشرق الأوسط، وكان يقوم بإعداده مفيد فوزي الذي بدأ يقيم علاقة مع عبد الحليم حافظ واستطاع إقناعه بأن يكون ضيف برنامج "أوافق... أعترض"، حيث سئل عن أثقل الممثلين ظلا، فأجاب عبد الحليم: صلاح نظمي. وهنا رفع صلاح نظمي دعوى قضائية أمام محكمة بولاق ضدّ عبد الحليم يطالبه بتعويض مالي كبير وتقديم اعتذار له في البرنامج نفسه. وقد تمّ تداول القضية لسنوات عدّة في المحكمة، وفي النهاية اضطرّ عبد الحليم الى الذهاب الى المحكمة ودافع عن نفسه وقال انه كان يعتقد أن المذيعة تسأله عن أثقل الفنانين وزنا، فاقتنعت المحكمة بوجهة نظره وبرأته من التهمة. لكن المشكلة التي واجهت المحكمة هي كيفية خروج عبد الحليم من المحكمة حيث اجتمع آلاف المواطنين أمام المحكمة لمشاهدته، فتمّ إيداع عبد الحليم حجرة في المحكمة وطلبت قوات إضافية من الشرطة التي استخدمت القنابل المسيّلة للدموع لتفريق هذا الحشد من محبي عبد الحليم ليخرج من المحكمة في النهاية.
قبلة وردة الجزائرية
في حفلة عبد الحليم الأخيرة، والتي قدّم فيها أغنيته "قارئة الفنجان"، حضرت مجموعة كبيرة من النجوم للوقوف الى جانبه في مرضه، وكانت ضمن هؤلاء الفنانة وردة وزوجها بليغ حمدي، وعندما اعتلت المسرح لتهنئة عبد الحليم قبّلته وقبّلها، ولكنّ محامياً شهيراً كان حاضراً، رفع دعوى على العندليب ووردة بسبب القبلات العلنية على خشبة المسرح، وظلّت القضية متداولة في المحاكم حتى شطبت بعد رحيل عبد الحليم حافظ في 30 آذار 1977

بدأت قصة أغنية قارئة الفنجان عندما اختار عندليب الشرق عبد الحليم حافظ هذه القصيدة من بين القصائد التي نشرها نزار قباني في مجموعته الشعرية (قصائد متوحشة).
وقد اختار حليم (قارئة الفنجان) لأنها تنسجم مع روحه الفنية التي كانت تميل دائما الى الحداثة والتجديد حيث رأى في القصيدة مناخاً تتوافر فيه المفردات العصرية التي تحمل روح التمرد ، والعمق الفلسفي للحب ، والمعاني الرمزية للجمل الشعرية حتى أن بعض النقاد يعتقدون أن لهذه القصيدة تأويلات سياسية ثورية تمظهرت في سياقات رومانسية.
ليس من باب الصدفة اختيار عبد الحليم لمحمد الموجي ليقوم بتلحين هذه حيث أن الموسيقار الكبير محمد الموجي كان معروفاً بنزعته الحداثوية في تأليف الجمل الموسيقية خاصةً عندما يقف أمام نص شعريٍ كبير مثل (قارئة الفنجان). يا ترى كيف تكون الأغنية التي يجمتع في كتابتها وتلحينها وأدائها العمالقة الثلاثة .. نزار قباني ومحمد الموجي وعبد الحليم حافظ؟ بدأت دراسة النص لتحويل الاغنية من نص مقروء الى أغنية واتفق المبدعون الثلاثة على إجراء بعض التغييرات في النص كي يتلاءم مع الذوق العام ويتجنب الانتقادات التي اعتادت عليها نصوص نزار قباني!
هكذا أجرى الشاعر الكبير نزار قباني بحرفيته الشعرية العالية تغييرات على جمله الشعرية ، فغيّر جملة:
قد ماتَ شهيداً
من ماتَ على دينِ المحبوب
الى:
قد ماتَ شهيداً
من فداء للمحبوب

وحذف من القصيدة المقطع:
فنجانُك دنيا مرعبةٌ
وحياتُكَ أسفارٌ وحروب..
ستُحِبُّ كثيراً يا ولدي..
وتموتُ كثيراً يا ولدي
وستعشقُ كُلَّ نساءِ الأرض..
وتَرجِعُ كالملكِ المغلوب
كما غيّر أيضاً:
فمُها مرسومٌ كالعنقود
ضحكتُها موسيقى وورود
الى:
فمُها مرسومٌ كالعنقود
ضحكتُها أنغامٌ وورود
وحوّر أيضاً المقطع:
فحبيبةُ قلبكَ.. يا ولدي
نائمةٌ في قصرٍ مرصود
والقصرُ كبيرٌ يا ولدي
وكلابٌ تحرسُهُ.. وجنود
وأميرةُ قلبكَ نائمةٌ..
من يدخُلُ حُجرتها مفقود..
من يطلبُ يَدَها..
من يَدنو من سورِ حديقتها.. مفقود
من حاولَ فكَّ ضفائرها..
يا ولدي..
مفقودٌ.. مفقود
الى:
فحبيبةُ قلبكَ.. يا ولدي
نائمةٌ في قصرٍ مرصود
من يدخُلُ حُجرتها مفقود..
من يطلبُ يَدَها..
من يَدنو من سورِ حديقتها.. مفقود
من حاولَ فكَّ ضفائرها..
يا ولدي..
مفقودٌ.. مفقود

وغير ذلك من التغيير والتحوير وحتى إضافة المقطع الشعري بحسب ما يتلاءم مع جو الأغنية.
بعد ذلك بدأ محمد الموجي بتلحين الأغنية واستطاع بطاقته الفنية الخلاقة أن يخلق جواً فلسفياً من الجمل الموسيقية في تلحينه (قارئة الفنجان) ينسجم مع التدفق العاطفي والدلالي للجمل الشعرية في القصيدة. وهكذا أبدع الموجي لحناً يختلف في أجوائه اختلافاً نوعياً عن الاجواء اللحنية السائدة التي اعتاد عليها المتذوق العربي آنذاك كما فعل في أغنية (رسالة من تحت الماء) التي لا تختلف في روعتها عن (قارئة الفنجان).
ومن العجيب أن عبد الحليم انسحر بمقطع القصيدة:
بحياتك يا ولدي امرأةٌ
عيناها سبحان المعبود
فمها مرسوم كالعنقود
ضحكتها أنغام وورود
والشعر الغجري المجنون
يسافر في كل الدنيا
قد تغدو امرأة يا ولدي
يهواها القلب .. هي الدنيا

يقول محمد الموجي: أخذ حليم العود مني وأخذ يدندن بهذا المقطع ويحاول تلحينه وقال لي: اريد في هذا المقطع أن أبتكر مقطعا غنائياً (كوبليه) راقصاً ... ثم بدأ يعزف ويغني فلحن هذا المقطع بنفسه كما هو موجود الآن في الاغنية. هكذا تدخل عبد الحليم ولحن بنفسه هذا المقطع الذي أعجبه!
ومن العجيب ايضاً أن قصيدة (قارئة الفنجان) كانت أشبه بنبوءة بموت عبد الحليم دون أن يتزوج ، إذ كان يعيش قصة حب عميقة في تلك الفترة التي تزامنت مع الأغنية لكنه كان يشعر بأن شيئا ما سيحول بينه وبين حبيته. وجاءت معاني القصيدة مطابقة لشعوره:
ستفتش عنها يا ولدي
في كل مكان
وستسأل عنها موج البحر
وتسأل فيروز الشطآن
وتجوب بحاراً وبحارا
وتفيض دموعك أنهارا
وسيكبر حزنك حتى يصبح أشجارا
وسترجع يوماً يا ولدي
مهزوماً .. مكسور الوجدان
وستعرف بعد رحيل العمر
بأنك كنت تطارد خيط دخان ...!

شـــــــكــــــــــرا عن هذه المعلومات عن الفنان عبد الحليم حافظ الله يرحمه.